[center][center]تساؤلات قرآنية
إن القرآن المجيد ينفذ إلى صميم أوضاعنا الراهنة "بمنهجه ومعناه" الذي كان قبل مكنونا، ونستطيع بتدبر القرآن المجيد تدبرا سليما أن ننفذ إليه، ونثيره بمساءلات ملحة، ونستنطقه ليجيب بكشف شيء من مكنونه يكون مناسبا لأوضاعنا الراهنة.
وتساؤلاتنا: ما موقعنا نحن العرب (والمسلمون من ورائنا) في الحركة والتاريخ اليوم؟ وما موقعنا في الماضي وفي الحاضر؟ وما موقعنا في المستقبل؟ وما موقعنا في عالمنا الخاص وفي العالم الذي نشارك الآخرين فيه؟ وفي الكون؟ ما موقف العربي من نفسه، ومن صراعه ضد إسرائيل، ومن تطورات هذا الصراع في الحاضر والمستقبل؟ لماذا اختارت قيادات الصهيونية وحلفاؤها الأوروبيون فلسطين وطنا قوميا لليهود، لا أوغندا ولا غيرها من بقاع الأرض؟
ومن المهم أيضا ألا يتوهم أحد أننا بصدد تأويل نصوص القرآن تأويلا عصريا مفتعلا؛ لنسقط ذلك التأويل على أحداث اليوم، فليس من مقصودنا ولا نقره فضلا عن أن نتبناه.
قصة أمتين
الأمتان العربية بعمقها وامتدادها الإسلامي، والإسرائيلية بعمقها ونفوذها العالمي صارتا مرة أخرى في مواجهة مغايرة لسائر المواجهات التاريخية، وذلك لدفع العرب والمسلمين بالتحدي الإسرائيلي إلى أحضان الآيات التي انسلخوا منها من جديد: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (الأعراف : 175 – 176).
وليخرج العرب والمسلمون من بطن الحوت الذي صاروا فيه بعد أن هجروا قرآنهم، وتخلوا عن رسالة ربهم، وتجاهلوا ملة أبيهم، وتخلوا عن التأسي بنبيهم.
{وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} (الصافات : 139 – 148).
وقد نهى نبينا
عليه وعلى يونس الصلاة والسلام
أن يكون مثله: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } (القلم : 48 – 5
إن الله بالغ أمره، والمخرج من هذه الدوامة لن يكون سوى القرآن المجيد، فهو الذي سيقود العربي والمسلم في هذه المعركة الشرسة الطويلة المفروضة عليه حتى يكتشف أن كل ما كان يمني نفسه به من عيش مرفه آمن مسالم في ظل ما استورده أو فرض عليه من حضارة الصراع لم يكن إلا سرابا خادعا، وأن عليه أن يكابد ويكد ويجتهد ليكتشف من داخل البنية القرآنية "المنهج البديل" لنفسه وللعالم على مستوى التحديات المعاصرة؛ ليتحقق السلم؛ ولتشرع أبوابه بمنهج القرآن لا بسواه: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} (الرعد:14).
إن حملة القرآن الذين سينقشع عنهم غبار المعارك ضد العالمية الوضعية "عالمية العجل الذهبي الذي له خوار" سوف لن تبحث عن معاني القرآن في كتب المفسرين والمئولين فتضيع بين تفسير آثاري، وتفسير إشاري، وثالث باطني ورابع بياني، بل سيتجهون إلى مكنون القرآن ذاته، بحثا عن "المنهج القرآني البديل" في بناء الأمم وإقامة الحضارات وكيفية "الجمع بين القراءتين" لمعرفة الخطوط المميزة بين فعل الغيب وفعل الإنسان واستجابة الطبيعة المسخرة وكيفية الإمساك بنواصي السنن والقوانين التي تقود عمليات التسخير وتحددها.
سيوجد آنذاك العلماء الذين لا يقتصرون على علم سطحي ظاهري {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } (الروم:7)، فيملؤهم ذلك العلم الظاهري غرورا واستعلاء واستكبارا في الأرض ومكر السيئ؛ ليرفع أحدهم عقيرته بقوله: { إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} (القصص:78)، بل ذلك العلم الذي كلما ازداد العالم فيه رسوخا ازداد لله خشية: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} (فاطر:28).
ندعو الله ان نتمسك في منهجة وان نكون من الفائزين